مقاربة دور الشباب في بناء النموذج التنموي الجديد

مقاربة دور الشباب في بناء النموذج التنموي الجديد

 

ان فتح نقاش عمومي بخصوص النموذج التنموي الجديد و المساهمة في تعزيز المشاركة الفاعلة و الرؤية التشاركية بين كافة الفاعلين إلى جانب الشباب، إضافة إلى التعرف عن قرب على البرامج والمشاريع المهيكلة المنجزة فعليا والمبرمجة مستقبليا، ومدى نجاح تفعيل ورش الجهوية ، والفرص التنموية لمدينة ايموزار كندر في إطار التصور المحلي للنموذج التنموي الجديد.

 

وحيث أن هذه المبادرة تروم مشاركة فاعلة لمختلف الفعاليات بغية الحصول على أجوبة شافية حول أهم اشكاليات التنموية المطروحة وطرح الحلول ، وخلق فرصة لتبادل الخبرات والتجارب حول هذه المجالات، لتعزيز إدماجها في السياسات العمومية والترابية والمشاركة الفاعلة للشباب في هذا المشروع التنموي الجديد بطموح مشترك من أجل وطن تتقلص فيه الفوارق الاجتماعية و المجالية.

 

ويعتبر هذا الملتقى محطة من المحطات التي سوف تفتح فيها الشبكةالنقاش بالعديد من المناطق التي تعيش عزلة تنموية بخلق التواصل معشبابها والفاعلين بتجميع المقترحات الداعمة للحد من الفوارق المجاليةواقتراح البدائل بنظرة شبابية تنصرف نحو المستقبل.

نظرا لكون الشباب يجسد مستقبل المغرب، فقد توسعت مجالات الاهتمام بحاجياتهومتطلباته، وهذا ما تعبر عنه مجموعة من المؤشرات والمتمثلة أساسا في مضمون التوجيهات السامية للخطب الملكية، وفي حجم المؤسسات التي أحدثت في علاقة بقضايا الشباب، وفي المبادرات والبرامج المختلفة التي تم إطلاقها لفائدة الشباب.

 

لقد أشار جلالة الملك محمد السادس في خطابه بمناسبة الذكرى الخامسة والستين لثورة الملك والشعب في 20 غشت 2018 على مكانة الشباب بقوله: “ها نحن اليوم ندخل فيثورة جديدة لرفع تحديات استكمال بناء المغرب الحديث، وإعطاء المغاربة المكانة التييستحقونها، وخاصة الشباب، الذي نعتبره دائما الثروة الحقيقية للبالد” وأضاف: “لقد سبق أن أكدت، في خطاب افتتاح البرلمان، على ضرورة وضع قضايا الشباب في صلب النموذج التنموي الجديد، ودعوت لإعداد استراتيجية مندمجة للشباب، والتفكير في أنجع السبل للنهوض بأحواله. فلا يمكن أن نطلب من شاب القيام بدوره وبواجبه دون تمكينه من الفرص والمؤهلات اللازمة لذلك. علينا أن نقدم له أشياء ملموسة في التعليم والشغلوالصحة وغير ذلك. ولكن قبل كل شيء، يجب أن نفتح أمامه باب الثقة والأمل في المستقبل”.

كما شكل تنصيص دستور 2011 على ضرورة إشراك الشباب المغربي في الحياة العامة باعتباره يمثل قيمة أساسية من الرأسمال البشري، واحدا من أهم المقتضيات الجديدة التي زخر بها دستور المملكة، والذي من شأن تفعيل مقتضياته تفعيلا سليما أن يساهم في تمتين قواعد التنمية المستدامة المنشودة، وبخاصة الفصول 12 و13 و 33 و170 و  171

 

فلأول مرة ينص دستور المملكة المغربية صراحة على عدة مقتضيات أساسية ذات ارتباط مباشر بقضايا الشباب، ومن جملتها الدعوة إلى تأسيس المجلس الاستشاري للشباب والعمل الجمعوي، وهو ما تم تفعيله بصدور قانون 15.89 الصادر بالجريدة الرسمية بتاريخ 18 يناير 2018 ،بناء على التوجيهات الملكية في خطاب السابع عشر من يونيو أثناء تقديم جلالته للمحاور الكبرى لمشروع الدستور متحدثا عن هذه الهيئة الشبابية”… والعمل على تمكين الشباب من فضاء مؤسسي للتعبير والنقاش فقد حرصنا على إحداث مجلس للشباب والعمل الجمعوي يشكل قوة اقتراحيه لتمكينهم من المساهمة بروح الديمقراطية والمواطنة في بناء مغرب الوحدة والكرامة والعدالة الاجتماعية “.

 

هكذا راكمت المملكة المغربية في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها للشباب الشيء الكثير، من خلال الاعتماد على مقاربة النوع الاجتماعي والمقاربة التشاركية والمقاربة المجالية كآليات أساسية لتحديد التوجهات الاستراتيجية التنموية في مختلف برامج ومخططات الدولة وداخل مختلف المؤسسات التابعة لها وجب استثمارها. كما أن قضايا الشباب حظيت باهتمام وعناية كبيرة من قبل جل المؤسسات الدستورية والسلطات العمومية، وذلك بالنظر لكون الشباب يشكل نسبة مهمة من عدد سكان المغرب، وأيضا بالنظر للدينامية التي عبر عنها الشباب المغربي في مجموعة من المحطات البارزة، على اعتبار أن الشباب هو عنصر أساس في تقوية بناء المجتمعات، كما أن أهميته في عملية التنمية تتجلى من خلال ما يتميز به من مقدرة عالية على الإبداع والقيادة رغم الظروف الصعبة التي يعيشها، فضلا على أن فترة الشباب بلا شك هي من أخصب وأجمل مراحل العمر عند الإنسان، وهي أهم الفترات حيوية ونشاط وحركة وتطلعا، مرحلة نمو واع: جسدي وعقلي ونفسي وعاطفي وروحي، ونمو في الخبرة وفي المعرفة وفي المواهب والاستعدادات، ومرحلة العواطف الجياشة وفترة العلم والقراءة والاطلاع، وفترة النشاط الجسماني، وفترة التعلق بالمثل والقيم، وفترة التفكير في مشاكل المجتمع والسياسة والصالح والتغيير…

 

فبروز النقاش الشبابي في الواقع المغربي، يؤكد على أننا أمام قوة بشرية قادرة على تصنيع التحول بما لها من إرادة ومالها من كفاءات وقابلية لتعلم المعارف والتقنيات المختلفة، فكل تقصير أو إهمال لهذه القوة أو محاولة إلهائها أو تدجينها، إال وسيكون له انعكاسات سلبية ال تنحصر في: الانسحاب وحياة الغربة والضياع والتشرد والهجرة السرية واكتساب السلوك الإجرامي، أو حتى في: الانضمام للحركات الاحتجاجية التي تستنزف الغضب عبر فترات معينة، كما بينت ذلك انتفاضات وثورات تخطت القوالب السائدة في عمليات التربية والتنشئة والتأطير الحزبي والجمعوي والنقابي والعالمي والرياضي السائد على المستويين الرسمي والمدني في بعض الدول. إننا أمام شباب يجب التعامل معه كظاهرة متطورة في سلوكها وأشكال تعبيرها، فقد تبدأ أشكال التعبير لديهم بآليات وأساليب مختلفة، قد تظهر في اللباس والألفاظ المتداولة بينهم، وفي نوع الموسيقى والأغاني، وفي الانهمام على تناول المخدرات، وهي كلها وغيرها تعبير عن احتجاجات واعتصامات وإضرابات صامتة تقول للجميع “انتبهوا لنا، نحن موجودون ولدينا صعوبات”. إنها إشارات نقرؤها يوميا في سلوك واتجاهات الشباب، فنغض الطرف عنها أو نتعامل معها بمنطق عقابي أو تحقيري غالبا ما يزيد من حدتها وتفشيها كما ونوعا، مما يستوجب تحليل البنيات الخاصة لكل خطاباته. لا شك أن اختناق السياسة ومحدودية التأثير الحزبي والنقابي وحتى الجمعوي وتنامي صعوبات المنظومة التعليمية، وبروز المشاكل الاقتصادية من بطالة وفقر وتدني مستوى المعيشة وزيادة الفوارق الطبقية وهشاشة الطبقة الوسطى والاختلال العميق في التوزيع العادل للثروة والعدالة المجالية وغيرها يخل آثارا اجتماعية بليغة على فئة الشباب، مما يدق ناقوس الخطر عاليا ويفرض على الدولة المغربية التحرك السريع والسليم والسديد لمعالجة واقع وانتظارات الشباب المغربي لحمايته من الضياع والتمكن من الاستفادة من طاقاته وقدراته. وهذا لَعَمري لَيحتاج إلى تكاثف جهود كل الفاعلين وعلى مستويات متعددة، ويستنفر همة اللجنة المكلفة بتهيئة مشروع النموذج التنموي الجديد والتي يجب أن تركز على نتائج وتوصيات الدراسات والأبحاث والتقارير الرسمية والأكاديمية المحلية ذات الصلة بقضايا الشباب، الحياء الأمل وتجديد العهد وتقوية الصلة..

 

قال الملك محمد السادس إن العدالة بين الفئات والجهات تشكل دائما ”جوهر توجهاتنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية“، فضال عن كونها الغاية المتوخاة من مختلف المبادرات والأوراش، التي تم إطلاقها بهدف تحسين ظروف المعيش اليومي للمواطنين، في ظل العدل والإنصاف والكرامة الإنسانية وتكافؤ الفرص. وذكر الملك في الرسالة التي وجهها إلى المشاركين في المنتدى البرلماني الدولي الثالث للعدالة الاجتماعية، الذي ينظمه مجلس المستشارين تحت شعار ”رهانات العدالة الاجتماعية والمجالية ومقومات النموذج التنموي الجديد“، بأن الدستور كرس هذه القيموالمبادئ، من أجل إرساء دعائم مجتمع متضامن يتمتع فيه الجميع بالأمن والحرية والكرامة والمساواة والعدالة الاجتماعية، في نطاق التلازم بين حقوق وواجبات المواطنة. غير أنه، يضيف الملك، في الرسالة التي تالها عبد اللطيف المنوني مستشار الملك، ”مهما كان حجم الطموح، وقوة الالتزام، فإن تحقيق العدالة الاجتماعية والمجالية، في كل دول العالم، يبقى مسارا صعبا وطويلا، يقتضي التقييم المنتظم لنتائجه، والتحيين المستمر أهدافه المرحلية والبعيدة، والتطوير آليات ووسائل تنفيذه.“

وبعد أن أشاد الملك باختيار ”النموذج التنموي المأمول ورهانات العدالة الاجتماعية والمجالية“، موضوعا لهذه الدورة، ذكر بمعيقات النموذج التنموي في المغرب الذي لم يعد قادرا على الاستجابة للمطالب والحاجيات المتزايدة للمواطنين، وال على الحد من الفوارق الاجتماعية والتفاوتات المجالية، وبالتالي على تحقيق العدالة الاجتماعية.وشدد الملك على أن الهدف من الدعوة لمراجعة هذا النموذج، ليست مجرد القيام بإصلاحات قطاعية معزولة، وإعادة ترتيب بعض الأوراش الاقتصادية والبرامج الاجتماعية، بل بلورة رؤية مندمجة للنموذج السياسي والاقتصادي والاجتماعي ولمنظومة الحكامة المركزية والترابية، في كل أبعادها، تكون كفيلة بإعطائه دفعة قوية، وتجاوز العراقيل التي تعيق تطوره، ومعالجة نقط الضعف والاختلالات، التي أبانت عنها التجربة. وفي هذا الإطار، يضيف الملك، يتعين على كافة الفاعلين، أخد بعين الاعتبار التغيرات المجتمعية التي يشهدها المغرب، وذلك عبر وضع مسألة الشباب في صلب النموذج التنموي المنشود، والتفكير في أنجع السبل من أجل النهوض بأحوال الشباب باعتبارهم الرأسمال الحقيقي للمغرب وثروته التي ال تنضب. وأكدت الرسالة الملكية أن نجاح أي تصور في هذا الإطار يبقى رهينا بتغيير العقليات، باعتباره السبيل الوحيد، ليس فقط لمجرد مواكبة التطور الذي يشهده المغرب، في مختلف المجالات، بل بالأساس لترسيخ ثقافة جديدة للمبادرة والاعتماد على النفس وروح الابتكار، وربط المسؤولية بالمحاسبة.

 

كما ينبغي الانكباب، وبنفس العزم، يقول الملك، على إصلاح الإدارة العمومية، ألنه ال يمكن تحقيق إقلاع اقتصادي واجتماعي حقيقي، دون قيام المرافق العمومية بمهامها في خدمة المواطن وتحفيز الاستثمار،  لاسيما مع تنامي الدور الذي تقوم به الجهات والإدارة المحلية ومراكز الاستثمار وغيرها، في النهوض بالعملية التنموية. وبالإضافة إلى ذلك، ينبغي مضاعفة الجهود من أجل انخراط القطاعين العام والخاص، في شراكات مبتكرة وفعالة، للنهوض بالتنمية الشاملة. وأبرز الملك أن المجال مفتوح للجميع للمساهمة بأفكارهم ومقترحاتهم البناءة، بكل حرية وموضوعية بهذا الشأن، موضحا أن هذا المجهود الجماعي يتعين أن يفرز تجديدا عميقا في طرق التفكير، وفي التعامل مع قضايا التنمية وتدبير الشأن العام، وإجراء قطيعة حقيقية مع الممارسات التي تهدر الزمن والفرص التنموية، وتعيق مبادرات الصالح، وتكبل روح الإبداع والابتكار. كما دعت الرسالة الملكية لاستحضار ما مر به المغرب من فترات صعبة، كما كان الشأن بالنسبة لمرحلة التقويم الهيكلي، خلال ثمانينيات القرن الماضي، غير أنه تمكن بإرادته السيادية الذاتية، من تجاوز المعيقات ورفع مختلف التحديات التنموية التي تواجهه، وذلك بفضل تعبئة طاقاته الوطنية، وتضافر جهود جميع أبنائه وتضحياتهم. وشدد الملك أن موضوع هذه الدورة يجسد النضج والوعي بأهمية الموضوع وراهنتيه، لما ينطوي عليه من إشكالات مترابطة، تتطلب معالجتها نهج مقاربة شمولية متجددة، هدفها الأسمى إيجاد حلول عملية، وقابلة للتطبيق، للمشاكل الحقيقية والملحة للمواطنين، وتحقيق تنمية متوازنة ومنصفة، يستفيد منها الجميع، في إطار من الاطمئنان والاستقرار. وخلص الملك إلى أن تحقيق العدالة الاجتماعية يقتضي استحضار مجموعة من الرهانات التي يتعين التعاطي معها بكل جدية وموضوعية، وبروح الابتكار، ومن بينها على الخصوص إشكالية الفوارق الاجتماعية والمجالية، وعلاقتها بالإكراهات المطروحة على تدبير المنظومات الضريبية وأنظمة الحماية الاجتماعية؛ ومسألة تعميم الولوج للخدمات والمرافق الاجتماعية الأساسية، وضرورة إيجاد مؤسسات متشبعة بقيم التضامن والعدالة الاجتماعية، تساهم في حل المشاكل الحقيقية للمواطنين، والاستجابة لانشغالاتهم ومطالبهم الملحة.

مقاربة دور الشباب في بناء النموذج التنموي الجديد

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply